المُبدع واكتئابه!

  • محمد حمادة

الوقوع في الاكتئاب يطال المبدعين والشخصيات العامة كما يطال البسطاء المُختبئين بين أوجاعهم، فلا علاقة للشهرة أو المكانة الاجتماعية أو نوع الموهبة بالاكتئاب.

وإذا عرّفنا الفن أو الإبداع على أنه تعبير المُبدع عن انفعالاته الداخلية وحالته النفسية، فإن أكثر ما يُساعد على إنتاج هذا الفن هو العزلة والانطواء، الأمر الذي يدفع صاحبه إلى الاكتئاب. وهذه المعادلة البسيطة كافية لأن تُثبت أن المبدعين أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.

 

إذاً عن علاقة المبدعين بالاضطرابات النفسية، وفي محاولات فهم العوامل التي تدفع المبدعين إلى الوقوع أسرى الاضطراب العقلي والاكتئاب واليأس مع صعوبة الخروج منه، يُقنعنا الأخصائيون النفسيّون بأن ملاذنا في هذه الحياة يكمن في الإبداع بهواياتنا التي نحب سواءً كان فن الرسم أو الكتابة أو الرقص، وتلك الهوايات كفيلة بترميم السعادة التي فقدناها ومحو كرب الأيام الثقيلة على صدورنا، لكننا لا نرى هذه السعادة التي يتحدثون عنها في حياة المبدعين والفنانين، لماذا لا تشملهم القاعدة إذا كانوا يقضون وقتاً كافياً في ممارسة إبداعهم؟ هل يصيبهم الاكتئاب عندما تتحول الموهبة لمصدر رزق ومساحة عمل أم أن المسؤولية الهائلة التي تحط على عاتقهم هي التي تجعل من استمرارية حياتهم الطبيعية عبئاً ثقيلاً لا يمكن لعقولهم تحمله؟

وعلى الرغم من أن معدلات الإصابة بالاكتئاب بين السيدات توازي ضعف المعدلات بين الرجال، إلا أن المبدعين من الرجال أكثر من يصاب بالاكتئاب، وهنا لغز آخر لم تفلح الدراسات والأبحاث بالإجابة عنه. وكمُطلع على الفنون والآداب بتنوعها، فإنني أجزم بأن أكثر الأعمال الفنية والأدبية إبداعاً كانت تلك التي نتجت في خضم الاكتئاب، أمثال أبا العلاء المعري وجبران، وفان جوخ وسلفادور دالي، وغيرهم.

المُبدع، إنسان كغيره، معرّض للأمراض العقلية والنفسية، لكن إبداعه لا يمكن أن يدفعه لذلك. لذلك فإن فتح متصفح جوجل للبحث عن الكم الهائل من المُبدعين والموسيقيين والفنانين والشعراء المنتحرون قد يغير وجهة النظر في الأسباب، لكنها لم تغير الواقع في أن المبدع قد يصاب بالاكتئاب لكن إبداعه لن يقوده لذلك أبداً.

أرشيف فلسطين الشباب